فصل: من فوائد الثعلبي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقَوْله تَعَالَى: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} قَدْ قِيلَ فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا تَعْظِيمُ الْوِزْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَأْثَمِ كُلِّ قَاتِلٍ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّهُ سَنَّ الْقَتْلَ وَسَهَّلَهُ لِغَيْرِهِ فَكَانَ كَالْمُشَارِكِ لَهُ فِيهِ؛ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ قَاتِلٍ ظُلْمًا إلَّا وَعَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ الْإِثْمِ لِأَنَّهُ سَنَّ الْقَتْلَ» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَالثَّالِثُ: أَنَّ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعُونَةَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ حَتَّى يُقِيدُوهُ مِنْهُ، فَيَكُونُ كُلُّهُمْ خُصُومَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُقَادَ مِنْهُ، كَأَنَّهُ قَتَلَ أَوْلِيَاءَهُمْ جَمِيعًا.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ إذَا قَتَلَتْ وَاحِدًا؛ إذْ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا.
وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: «مَنْ أَحْيَاهَا نَجَّاهَا مِنْ الْهَلَاكِ».
وَقَالَ الْحَسَنُ: «إذَا عَفَا عَنْ دَمِهَا وَقَدْ وَجَبَ الْقَوَدُ».
وَقَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: «زَجَرَ عَنْ قَتْلِهَا بِمَا فِيهِ حَيَاتُهَا».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِإِحْيَائِهَا مَعُونَةَ الْوَلِيِّ عَلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ وَاسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْهُ لِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِإِحْيَائِهَا أَنْ يُقْتَلَ الْقَاصِدُ لِقَتْلِ غَيْرِهِ ظُلْمًا فَيَكُونَ مُجِيبًا لِهَذَا الْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ وَيَكُونَ كَمَنْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرْدِعُ الْقَاصِدِينَ إلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ عَنْ مِثْلِهِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ حَيَاةٌ لِسَائِرِ النَّاسِ مِنْ الْقَاصِدِينَ لِلْقَتْلِ وَالْمَقْصُودِينَ بِهِ.
فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ضُرُوبًا مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى الْأَحْكَامِ، مِنْهَا: دَلَالَتُهَا عَلَى وُرُودِ الْأَحْكَامِ مُضَمَّنَةً بِمَعَانٍ يَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِوُجُودِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ.
وَالثَّانِي إبَاحَةُ قَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ.
وَالرَّابِعُ: مَنْ قَصَدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا فَهُوَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} كَمَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ إذَا قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ؛ إذْ هُوَ مَقْتُولٌ بِنَفْسِ إرَادَةِ إتْلَافِهَا.
وَالْخَامِسُ: الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْقَتْلُ.
وَالسَّادِسُ احْتِمَالُ قَوْله تَعَالَى: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} أَنَّ عَلَيْهِ مَأْثَمَ كُلِّ قَاتِلٍ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ سَنَّ الْقَتْلَ وَسَهَّلَهُ لِغَيْرِهِ.
وَالسَّابِعُ: أَنَّ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعُونَةَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ حَتَّى يُقِيدُوهُ مِنْهُ.
وَالثَّامِنُ: دَلَالَتُهَا عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا.
وَالتَّاسِعُ: دَلَالَةُ قَوْله تَعَالَى: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} عَلَى مَعُونَةِ الْوَلِيِّ عَلَى قَتْلِ الْقَاتِلِ.
وَالْعَاشِرُ: دَلَالَتُهُ أَيْضًا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ ظُلْمًا؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ.

.من فوائد الثعلبي في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ} خبر {ابني ءَادَمَ} وهما هابيل وقابيل، فهابيل في اسمه ثلاث لغات: هابيل وهابل وهابن. وقابيل في إسمه خمس لغات: قابيل وقابين وقابل وقبن وقابن {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} وكان سبب تقرّبهما القربان على ما ذكره أهل العلم بالقرآن. أن حوّاء كانت تلد لآدم عليه السلام توأمًا في كل بطن غلامًا وجارية إلاّ شيثًا فإنها ولدته مفردًا وكان جميع ما ولدته حوّاء أربعين من ذكر وأنثى في عشرين بطنًا أولهم قابيل وتوأمته أقليما وآخرهم عبد المغيث مغيت وتوأمته أمة المغيث ثم بارك اللّه في نسل آدم عليه السلام.
قال ابن عباس: لم يمت آدم عليه السلام حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفًا بنوذ. ورأى آدم عليه السلام فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد.
واختلف العلماء في وقت مولد قابيل وهابيل، وموضع اختلافهما. فقال بعضهم: غشى آدم حوّاء بعد هبوطهما إلى الأرض بمائة سنة فولدت له قابيل وتوأمته أقليما في بطن، ثم هابيل وتوأمته في بطن.
وقال محمد بن إسحاق: عن بعض أهل الكتاب، العلم الأول إنّ آدم كان يغشى حوّاء في الجنّة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل وتوأمته فلم يجد عليها وحمًا ولا وصبًا ولا يجد عليها طلقًا حين ولدتهما ولم تر معهما دمًا، لطهر الجنّة فلما هبط إلى الأرض واطمأنا بها تغشّاها فحملت بهابيل وتوأمته فوجدت عليهما الوصب والوحم والطلق والدم.
وكان آدم إذا شبّ أولاده تزوّج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر وتزوج بجارية هذا البطن غلام البطن الآخر وكان الرجل منهم يتزوّج أي أخواته يشاء إلاّ توأمته التي ولدت معه فإنها لا تحل له، وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلاّ أخواتهم وأمهم حوّاء، فلما ولد قابيل وأقليما، ثم هابيل وتوأمته ليوذا في بطن، وكان بينهما سنتين في قول الكلبي وأدركوا أمر اللّه عز وجل آدم عليه السلام أن ينكح قابيل ليوذا أخت هابيل. ونكح هابيل أقليما أخت قابيل، وكانت أخت قابيل من أحسن الناس. فذكر ذلك آدم لولده فرضي هابيل وسخط قابيل، وقال: هي أختي ولدت معي في بطن. وهي أحسن من أخت هابيل وأنا أحق بها منه، لأنّها من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض. وأنا أحق بأختي فقال له أبوه: إنها لا تحلّ لك، فأبى أن يقبل ذلك منه وقال إنّ اللّه لم يأمر بهذا وإنما هو من رأيه. فقال لهما آدم: فقرّبا قربانًا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها.
وقال معاوية بن عمار: سألت الصادق عليه سلام اللّه عن آدم عليه السلام أكان زوّج ابنته من ابنه، فقال: معاذ اللّه والله لو فعل ذلك آدم ما رغب عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وما كان دين آدم إلاّ دين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ اللّه تبارك تعالى لما نزل آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حوّاء بنتًا وسمّاها ليوذا فبغت وهي أوّل من بغت على وجه الأرض فسلّط اللّه عليها من قتلها فولدت لآدم على أثرها قابيل، ثم ولد له هابيل، فلما أدرك قابيل أظهر اللّه جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة إنسية وأوحى اللّه تعالى إلى آدم عليه السلام أن زوجها من قابيل فزوجها منه فلما أدرك هابيل أهبط اللّه تعالى حوراء إلى آدم عليه السلام في صورة إنسية وخلق لها رحمًا وكان اسمها نزلة، فلما نظر إليها قابيل ومقها، وأوحى اللّه تعالى إلى آدم عليه السلام أن زوّج نزلة من هابيل، ففعل ذلك، فقال قابيل له: ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به منه.
فقال له آدم: يا بني إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء. فقال: لا ولكنّك آثرته عليّ بهواك. فقال له آدم: إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقرّبا قربانًا فأيكما تقبل قربانه فهو أولى بالفضل من صاحبه.
قالوا: وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء فأكلتها. وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلتها الطير والسباع، فخرجا ليقرّبا وكان قابيل صاحب زرع وقرّب حبرة من طعام من أردى زرع وأضمر في نفسه: ما أبالي أيقبل مني أم لا لأتزوج أختي أبدًا، وكان هابيل راعيًا صاحب ماشية فقرّب حملًا سمينًا من بين غنمه ولبنًا وزبدًا وأضمر في نفسه الرضا للّه عز وجل.
وقال إسماعيل بن رافع: بلغني أنّ هابيل أمنح له غنمه وكان في حملتها حمل فأحبه حتى لم يكن له مال أعظم له منه وكان يحمله على ظهره فلما أمر بالقربان قرّبه، قال: فوضعا قربانيهما على الجبل، ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء وأكلت الحمل والزبد واللبن، ولم تأكل من قربان قابيل حبًّا، لأنه لم يكن زاكي القلب. وقُبل قربان هابيل لأنه كان زاكي القلب.
فما زال يرتع في الجنة حتى فدى به ابن إبراهيم فذلك قوله عز وجل: {فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر} فنزلوا عن الجبل وعرفوا وغضب قابيل لمّا ردّ اللّه قربانه وظهر فيه الحسد والبغي وكان يضمر ذلك من نفسه، إلى أن أتى آدم مكّة ليزور البيت فلمّا أراد أن يأتي مكّة قال للسماء: إحفظي ولدي بالأمانة فأبت، وقال ذلك للأرض فأبت، وللجبال فأبت، فقال: ذلك لقابيل فقبل منه وقال: نعم ترجع وترى ولدك كما يسرّك، فرجع آدم وقد قتل قابيل أخاه وفي ذلك قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان}[الأحزاب: 72] يعني قابيل {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] حين حمل أمانة أبيه ثم خانه. قالوا: فلمّا غاب آدم أتى قابيل وهابيل وهو في غزة قال: لأقتلك. قال: ولم؟ قال: لأن اللّه قبل قربانك، وردّ عليّ قرباني وتنكح أختي الحسناء، وأنكح أختك الدميمة وتحدث الناس إنّك خير منّي وأفضل ويفتخر ولدك على ولدي، فقال له هابيل: وما ذنبي {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين}.
قال عبد اللّه بن عمر: أيم اللّه إن كان المقتول لأشدّ الرجلين ولكن منعه التحرّج أن يبسط إلى أخيه يده.
وقال مجاهد: كتب عليهم في ذلك الوقت، إذا أراد رجل قتل رجل أن يتركه ولا يمتنع منه {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} يعني بإثم قتلي إلى إثمك الذي عملته قبل قتلي، هذا قول عامة المفسرين.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: معناه إني أريد أن يكون عليك خطيئتي التي عملتها أنا إذا قتلتني وإثمك فتبوء بخطيئتي ودمي جميعًا {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار وَذَلِكَ جَزَاءُ الظالمين} وفي هذا دليل على إنهم كانوا في ذلك الوقت مكلفين قد لحقهم الوعد والوعيد {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} أي طاوعته وبايعته في {قَتْلَ أَخِيهِ}.
وقال مجاهد: شجعت. قتادة: زيّنت. {فَقَتَلَهُ}.
قال السدّي: فلما أراد قتل هابيل راغ الغلام في رؤوس الجبال. ثم أتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمًا له وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات.
وقال ابن جريح: لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل، فتمثل له إبليس وأخذ طيرًا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر فعلّمه القتل، فوضع قابيل رأس أخيه بين حجرين. وكان لهابيل يوم قُتِل عشرون سنة فاختلفوا في مصرعه وموضع قتله.
قال ابن عباس: على جبل نود، وقال بعضهم: عند عقبة حرّا.
حكى محمد بن جرير، وقال جعفر الصادق: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم.
فلما قتله بالعراء لم يدر ما يصنع به، لأنه كان أوّل ميّت على وجه الأرض من بني آدم فقصده السباع، فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح وعلقت به الطير والسباع تنظر متى يرمي به فتأكله. {فَبَعَثَ الله} غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله عليه حتى مكّن له ثم ألقاه في الحفيرة وواراه. وقابيل ينظر إليه فلما رأى ذلك {قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} أي جيفته وفيه دليل على أن الميت كلّه عورة {فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} على حمله لا على قتله، وقيل: على موت أخيه لا على ركوب الذنب.
يدل عليه ما أخبر الأوزاعي عن المطلب بن عبد اللّه المخزومي قال: لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء، فناداه اللّه: أين أخوك هابيل؟ قال: ما أدري، ما كنت عليه رقيبًا، فقال اللّه عز وجل: إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض فلم قتلت أخاك؟ فأين دمه إن كنت قتلته؟ ومنع اللّه عز وجل على الأرض يومئذ أن تشرب دمًا بعدها أبدًا.
مقاتل بن الضحّاك عن ابن عباس قال: لما قتل قابيل هابيل وآدم بمكّة أشتال الشجر وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه: وأمرّ الماء واغبرّت الأرض.
فقال آدم عليه السلام: قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا بقابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول، وهو أوّل من قال الشعر:
تغيرت البلاد ومن عليها ** ووجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون وطعم ** وقلّ بشاشة الوجه الصبيح